غير مصنف

عملية إيران العسكرية ضد “إسرائيل” إسناد قوي لعملية “طوفان الأقصى”


وبدأت المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والكيان الصهيوني منذ اليوم الأول الذي انتصرت فيه الثورة في إيران بقيادة الإمام الخميني رحمه الله. وقد بدأت بإلغاء سفارة الكيان الصهيوني، وإحلال سفارة منظمة التحرير الفلسطينية مكانها. أما الأهم فكانت الإستراتيجية التي أطلقها الإمام الخميني من خلال ثلاثة موضوعات كبرى: أمريكا الشيطان الأكبر، والكيان الصهيوني غدّة سرطانية، يجب أن تُستأصل، وإعلان الجمعة الأخيرة من كل رمضان، يوماً عالمياً، يوحّد الأمة الإسلامية، ويحدّد اتجاه البوصلة إستراتيجيا.

 

والحرب الفكرية والسياسية ومنذ ذلك التاريخ والإعداد قائم للحرب الحامية المستعرة والمُحدّدة لنمط العلاقة، أو المواجهة بين إيران وكلٍّ من أمريكا والكيان الصهيوني. فكان التناقض هذا عدائياً، لا يُحلّ إلاّ بالحرب أو بالغلبة، أو بأيّ شكل يؤدي إليه.

 

وقامت على ذلك طوال أربعة عقود ونيف أشكال عدة من توجيه الضربات واللّكمات، ومن حصار ومقاطعة اقتصادية وسياسية وإعلامية، واغتيالات من قِبَل أمريكا والكيان الصهيوني، ومن إستراتيجية وسياسات إيرانية بقيادة الإمام الخامنئي، في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وتطوير قدرات إيران العسكرية والعلمية والتكنولوجية إلى أعلى مستوى ممكن، فضلاً عن التعبئة والتحريض السياسي تحت عنوان المقاومة وثقافتها والإعداد للحرب من قِبَل إيران وما تشكل حولها من حلفاء، وما أنجزته من تغيير في ميزان القوى الإقليمي.

 

ولكن لم يحدث أن انتقل هذا الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران والكيان الصهيوني إلاّ في الأسبوع الماضي من خلال تدمير قنصلية إيران في دمشق، والذي أدى إلى استشهاد عدد من كبار قادة الحرس الثوري، وفي المقابل من خلال العملية العسكرية الكبيرة والمحددّة الهدف؛ وذلك رداً على الاعتداء على القنصلية في ليلة 13/14 نيسان إبريل 2024.

 

من تابع في تلك الليلة انطلاق العملية العسكرية من إيران باتجاه الكيان الصهيوني، كان عليه أن يعدّه هجوماً وكأنه إعلان بداية حرب إقليمية. وذلك حين تحركت مئات المسيّرات والصواريخ. وكان من المفترض، كما جرت العادة لقيادة الكيان أن تتعامل معه وتردّ عليه فوراً بحرب شاملة، كما حدث في حرب حزيران 1967، رداً على القرار المصري الخاص بمضائق تيران.

 

ولكن كانت إيران قد أعلنت أن العملية بالرغم من ضخامتها وأبعادها العسكرية هي ردٌّ محدود على موقع مقابل العدوان الذي تعرضت له قنصليتها في دمشق؛ الأمر الذي فرض على الكيان الصهيوني وبضغط أمريكي، كما أعلن، أن يبتلع الضربة، وأن يقتصر ردّه على الدفاع السلبي؛ وذلك بإسقاط المسيّرات والصواريخ، وبتعاون مع أمريكا، وست دول حليفة لأمريكا. وبالفعل كانت النتيجة إسقاط جزء، زعموا أنه الأكبر، قبل الوصول إلى الكيان الصهيوني، مع اختراق حقق نجاح الهدف الأساس الذي أرادته الضربة. وهو الوصول إلى قاعدة الطيران التي انطلقت منها، طائرة العدوان على القنصلية، من خلال ثلاثة أو أربعة صواريخ بالستية فعلت فعلها المطلوب في الهدف العسكري المحدّد.

 

وبهذا تكون إيران قد شنت هجوماً عسكرياً ناجحاً بمئات المسيّرات والصواريخ، حققت من خلاله ضرب النقطة المستهدفة من جهة، كما حققت أبعاداً عسكرية متعدّدة في التعاطي مع القبّة الحديدية والباتريوت، والدفاعات الأخرى “الإسرائيلية” والأمريكية والغربية التي استخدمت ضد مئات المسيّرات والصواريخ؛ ما يعني مستقبلاً، خدمة الهجوم الذي يستهدف الوصول إلى أهداف أخرى، فقد أصبح باليد كيف يكون التعامل الناجح مع الدفاعات الموجهة ضد المسيّرات والصواريخ، مثلاً كم هو المطلوب عدداً وتكتيكاً لاختراق هذه الدفاعات، وتخطي قدراتها الحمائية، يعني أن مجموعة المسيّرات والصواريخ التي استخدمت لإنجاح العملية تلك، خدمت  أيضاً لإنجاح الحرب القادمة التي لا مفرّ منها، مهما تأجلت، أو تمّ تجنبها. لأن التناقض بين إيران والكيان الصهيوني يحمل طبيعة عدائية لا تحلّ إلاّ بالحرب والغلبة، وهذا هو تاريخها منذ 1979 إلى اليوم.

 

طبعاً حملت عملية ليلة 13/14 إبريل/نيسان الجاري، أبعاداً أخرى عسكرية وسياسية وإستراتيجية، ولكن أهم ما يجب أن يُقرأ سريعاً هو الانتقال بهذا الصراع إلى المواجهة العسكرية المباشرة- المباشرة لأول مرّة بعد أن كانت حرباً بكل معنى الكلمة لكنها غير مباشرة، طوال أربعة عقود ونيف.

 

هذا الانتقال أدخل معادلة جديدة للصراع والاشتباك على مستوى إيران والكيان الصهيوني من جهة، كما على مستوى الصراع الفلسطيني مع الكيان، وعلى مستوى الصراع بين محور المقاومة والكيان الصهيوني، وذلك بعد أن أصبح الدور الإيراني عسكرياً مباشراً.

 

وبالمناسبة إن الكرة الآن في الملعب الصهيوني الذي يتوجب عليه الرد كما توعدّ وهدّد، وما قبل ليلة 13/14 إبريل/نيسان ليس كما بعدها، وهو متعدّد الاحتمالات للمسار الذي سيتخذه أو لموازين القوى، والوقائع اللاحقة. علماً أن الكيان الصهيوني مع هذه الليلة الليلاء عليه، أصبح في المأزق أشد أزمة وأكثر ضعفاً.

 

هذا على المستوى الإستراتيجي المستقبلي العام، ولكن أثره المباشر في المستقبل القريب خصوصاً على مستوى القضية الفلسطينية في مرحلة طوفان الأقصى. وما يدور من حرب بريّة فشل الكيان الصهيوني فيها فشلاً كاملاً وكأنه في ظل حرب إبادة وحشية وإجرامية ستنقلب بل انقلبت عليه عاراً وشناراً، وقد وصمته بمجرم حرب، ومجرم إبادة، ومجرم قاتل للأطفال، ومدمّر العمار. وهذا سيسهم مستقبلاً في ترحيله من فلسطين، بعد تحريرها من النهر إلى البحر.

 

من هنا تعدّ عملية ليلة 13/14 إبريل/نيسان، إسناداً قويّاً لحرب طوفان الأقصى، ولغزة البطلة، كما تشكل ارتقاءً بمستوى المواجهة، بما مثلته من ارتقاء استخباراتي عسكري تكنولوجي، وعملياتي سياسي على أعلى مستوى والذي وجّه ضربة أخرى من هذه الزوايا، بعد طوفان الأقصى، في إفشال للأبعاد الأمنية والدفاعية، والاستخبارية الصهيونية؛ بدليل وصول الصواريخ إلى هدفها المحدّد الذي انطلقت منه طائرة إف 35 للاعتداء على القنصلية، بل أعلن عن وصول اختراقين لقاعدتين جويتين، وهما نفتاييم ورامون.

 

وبهذا بدأ الكيان الصهيوني يٌمنى بفشل تلو فشل سياسياً وعسكرياً وأمنياً، لتدخل الآن مرحلة أعلى في ميزان القوى في غير مصلحة الكيان الصهيوني وأمريكا، وهو الشرط الذي لا بد من أن يتوفر، من ضمن شروط أخرى، لإتمام معركة التحرير، بإذن الله.

 

بقلم الكاتب والمفكر الفلسطيني “الأستاذ منير شفيق”

 

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:



رابط لمصدر الخبر

ومسؤولية هذا الخبر تقع على عاتق وكالة النشر. واكتفى موقع هاهسونيوز بإعادة نشر الخبر. إذا كان هناك تناقض، اسمحوا لي أن أعرف

زر الذهاب إلى الأعلى