غير مصنف

معنى التقوى الحقيقية من منظور الامام علي(ع)


ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “عِنْدَ حُضُورِ الشَّهَواتِ وَاللَّذّاتِ يَتَبَيَّنُ وَرَعُ الْأَتْقِياءِ”.وليست التقوى خاتم عقيق تتختم به في يمينك، وليست التقوى سُبحة لا تغادر يدك، وليست التقوى لحية مُشَذَّبة مُهذَّبة، وليست التقوى أن تُكثِر الصلاة والصيام، وأن تُدمِنَ الحَجَّ إلى بيت الله والزيارة للمراقد المقدسة، وليست التقوى أن تواظب على إقامة مجالس عزاء الإمام الحسين (ع) وتؤَسِّسَ المَضائف تطعم المارَّة وتهب ثوابها له، فلعَلَّك قد اعتدت ذلك حتى بات التوقف عنه شاقاً عليك، أو لعَلَّك تفعله لتباهي به الناس وتترَقَّى به إلى مكانة اجتماعية تطمح إليها. التقوى شيء سوى ما سبق، وإذا كان ما سبق صادراً من تقوى فبها ونعمت.
لقد ذكر لنا أئمة الدين المعصومون المعنى الحقيقي للتقوى، فقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “التَّقوى أَنْ لا يَفْتَقِدَكَ اللهُ حُيْثُ أَمَرَكَ، وَأَنْ لا يَراكَ اللهُ حَيْثُ نَهاكَ” إن الله تعالى أمر الإنسان بأوامر تهدف إلى جلب المصلحة إليه، وحظر عليه أعمالاً تهدف إلى درء المضار عنه، فإذا فعل ما أمر الله به، واجتنب ما نهى الله عنه تحققت التقوى له.

ولو كان يفعل بعض ما أُمِرَ به، ويترك بعضه الآخر، ويجتنب بعض ما أُمِرَ باجتنابه ويفعل بعضه الآخر فلا يكون تقياً، لأن إجلال أمر الله ونهيه وتعظيمهما كُلٌّ لا يتجَزَّأ، فلا يجوز أن يكون الالتزام بأوامره ونواهيه انتقائياً، ينتقي المُكَلَّف ما يتفق مع أهوائه، ويدع ما يخالفها، فأيّ تقوى هذه؟! وكيف تكون التقوى وهو يشرك مع الله أهواءه وشهواته؟!

 

إن التقوى الحقيقية هي ذلك الحِصن الذي يلجأ إليه العبد من وساوس الشيطان وأمانيه وأضاليله، والكهف الحريز الذي يحتمي به من ضغوط الشهوات واستبدادها وطغيانها، بحيث يصير طائعاً لله في كل حال من أحواله، واقفاً عند حدوده، بل متورِّعاً حتى عَمّا يشتبه عليه أمره حذراً من السقوط في دركات العصيان.

فقد جاء في الخبر عن رسول الله (ص) أنه قال: “إنَّ المُتَّقينَ الّذينَ يَتَّقونَ اللَّهَ مِن الشّي‏ءِ الّذي لا يُتَّقى‏ مِنهُ خَوفاً مِن الدُّخولِ في الشُّبهَةِ”

 

التقوى الحقيقية هي أن يعترف بالحق دون أن يُشْهَدَ عليه، ويستعجل في إيصاله إلى أهله استجابة لأمر الله، والتقوى الحقيقية أن يقول الحق ولو كان على حساب مصالحه، والتقوى أن يجتنب الباطل والزور والكذب ولو كان فيه نفع دنيوي موهوم، والتقوى أن يجتنب الظلم صغيره وكبيره من دون أن يبحث له عن مبرر، والتقوى أن يلتزم بأحكام الدين دون أن يحتال عليها ولو بما يُسمّى زورا وبهتاناً بالحِيَل الشرعية.

والتقوى كما وصفها الإمام أمير المؤمنين (ع) إذ قال: “إنّ تَقوَى اللَّهِ حَمَت أولياءَ اللَّهِ مَحارِمَهُ، وألزَمَت قُلوبَهُم مَخافَتَهُ، حتّى‏ أسهَرَت لَيالِيَهُم، وأظمَأت هَواجِرَهُم”

 

وأوصى رسول الله (ص) أبا ذَرٍّ فقال له: “يا أبا ذرٍّ، لا يكونُ الرّجُلُ مِن المُتَّقينَ حتّى‏ يُحاسِبَ نَفسَهُ أشَدَّ مِن مُحاسَبَةِ الشَّريكِ لِشَريكِهِ، فيَعلَمَ مِن أينَ مَطعَمُهُ، ومِن أينَ مَشرَبُهُ، ومِن أينَ مَلبَسُهُ؟ أمِن حِلٍّ ذلكَ، أم مِن حَرامٍ؟”

 

تلك هي التقوى وهذا معيارها، والصلاة والصيام والعبادات وإن كانت من علامات التقوى لكنها ليست كلها، فرُبَّ مُصَلٍّ لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ورُبَّ صائم يمتنع من تناول الطعام والشراب ولكنه يقضي يومه بالغيبة والنميمة والنظر إلى الحرام واستماعه، أو يأكل حق أخيه، أو يعُقُّ والدَيه، أو يعتدي على الناس، أو يستخِفُّ بهم ويستحقرهم. ورُبُّ رئيس شركة يحجُّ كل عام لكنه يظلم عُمّاله وموظفيه، أو عندما يُخَيَّر بين ما يأمره الله به وبين ما تدعوه إليه شهواته وأهواؤه، ومنصبه وجاهه ينساق وراء شهواته وملذاته ولا يفرق عنده الحال أن يكون وفق ما أراد الله أو ما خالف إرادته. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

 

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى