غير مصنف

المبادرة المصرية.. غموض مثير للجدل وتساؤلات مشروعة


شفقنا- أثار المقترح الذي قدمته مصر لوفد حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي زار القاهرة مؤخرًا برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، لوقف حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة منذ 80 يومًا وخلفت أكثر من 20 ألف شهيد، الكثير من الجدل داخل الشارع الفلسطيني والعربي.

ولاقت المبادرة – غير الرسمية حتى الآن – المسربة عبر وسائل الإعلام، وتتضمن بعض البنود الغامضة، تباينًا في وجهات النظر بين من يعتبرها خطوة في مسار التهدئة وآخرين يرونها جزءًا من مخطط استهداف المقاومة وتصفية القضية لصالح الاحتلال، فيما نقلت بعض وسائل الإعلام عن مسؤولين في حماس رفضهم للمبادرة، في الوقت الذي أكدت فيه الحركة أنها ستدرسها بالتشاور مع قادتها، وأنها لم تتخذ بشأنها قرارًا نهائيًا، فيما يتوقع أن ينعقد مجلس الحرب الإسرائيلي (الكابينت) اليوم لتقييم بنود المقترح وبحث مدى إمكانية تنفيذه.

وغادر هنية ووفده القاهرة بعد زيارة استمرت 4 أيام ناقش خلالها مع المخابرات المصرية تفاصيل المبادرة المقدمة، متجهًا إلى الدوحة لاستمرار  المباحثات، فيما يزور وفد آخر من حركة الجهاد برئاسة زياد النخالة العاصمة المصرية لمناقشة المبادرة ذاتها، وسط جهود حثيثة تبذلها مصر وقطر للتوصل إلى هدنة أو صفقة لوقف شلالات الدماء في القطاع.

3 مراحل.. تفاصيل المبادرة

تشتمل المبادرة المصرية على 3 مراحل رئيسية تتمحور جميعها حول تبادل للأسرى وبحث مرحلة ما بعد الحرب:

المرحلة الأولى: وتشمل صفقة إنسانية تتضمن إفراج حماس عن كل من لديها من أسرى من النساء والأطفال وكبار السن، نظير إفراج دولة الاحتلال عن عدد من الأسرى يتم الاتفاق عليه لاحقًا، وتستمر تلك المرحلة من 7-10 أيام ويتم خلالها وقف كامل لإطلاق النار من الجانبين، وإعادة انتشار قوات الاحتلال بعيدًا عن محيط التجمعات السكانية، والسماح بحرية حركة المواطنين ووسائل التنقل من الجنوب للشمال.

إضافة إلى وقف جميع أشكال النشاط الجوي الإسرائيلي، بما في ذلك المسيرات وطائرات الاستطلاع، بمناطق القطاع كافة، مع إدخال المساعدات الإغاثية للقطاع شماله وجنوبه وتشمل (الأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات والأغذية).

المرحلة الثانية: وهي مكملة للمرحلة الأولى وتشمل الإفراج عن كل المجندات المحتجزات لدى حماس مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال يتم الاتفاق على أعدادهم لاحقًا، وتستمر تلك المرحلة 7 أيام، بنفس الشروط والضوابط الخاصة بالمرحلة الأولى.

المرحلة الثالثة: وقد تستمر لمدة شهر، وخلالها يتم التفاوض بشأن إطلاق حماس سراح كل الجنود الإسرائيليين لديها، نظير عدد من الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال، على أن تتم خلال هذه المرحلة إعادة انتشار القوات الإسرائيلية خارج حدود القطاع، مع الإبقاء على كل الضوابط الخاصة بالمرحلتين السابقتين.

وتتضمن المبادرة كذلك التفاوض بشأن تشكيل حكومة من التكنوقراط، لا تنتمي إلى أي فصيل سياسي أو عسكري، وتتولى إدارة القطاع والضفة الغربية حال الإعلان عن وقف إطلاق النار بصورة كاملة، وذلك تحت إشراف الثلاثي الضامن لبنود الاتفاق، مصر وقطر والولايات المتحدة.

غموض وجدل

أغفلت المبادرة توضيح بعض الأمور التي تضمنتها بنودها بصورة أثارت الجدل أبرزها:

– عدم وجود رابط زمني بين المراحل الثلاثة، فكل مرحلة محددة زمنيًا بـ7 أيام مرشحة للزيادة، لكن دون تحديد الفاصل الزمني بين كل مرحلة وأخرى، وهو ما يعني أنه قد تتم مرحلة واحدة ثم يتوقف الأمر عند هذا الحد دون إلزام أي من الجانبين باستكمال المراحل المتبقية.

– التركيز على نقطة تبادل الأسرى وكأنها لب الأزمة، فيما غفلت المبادرة مسألة وقف إطلاق النار بصفة دائمة كخطوة أولية ضرورية للبناء عليها وليس نتيجة لمراحل مسبقة، وهو ما يتماشى مع السردية الإسرائيلية التي تعزف على وتر عدم وقف الحرب إلا بعد تحقيق أهدافها بشكل كامل.

– إغفال مسألة طبيعة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وما إذا كان انسحابًا شاملًا والعودة لما قبل 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أم مجرد إعادة تموضع والانسحاب من بعض المناطق المحتلة بعد هذا التاريخ، كما جاء في الصفقة الإسرائيلية المسربة عبر وسائل إعلام عبرية قبل أيام.

– الحديث عن حكومة تكنوقراط غير فصائلية دون تفاصيل، مسألة مثيرة للجدل، لا سيما أنها ستكون تحت إشراف ورعاية – بجانب قطر ومصر – الولايات المتحدة المعروف موقفها المسبق من حماس وبقية فصائل المقاومة.

 تساؤلات مشروعة

المبادرة بما تضمنته من بنود وما شهدته من غموض لبعض التفاصيل تثير الكثير من التساؤلات التي يجب الإجابة عنها قبل وضعها على طاولة النقاش لبحثها بشكل جدي، ومن أهم تلك التساؤلات:

– هل تملك مصر الضمانات الكافية لإلزام دولة الاحتلال بما سيتم الاتفاق عليه وإنجاح المبادرة،  خاصة مسألة إدخال المساعدات بشكل كامل، ووقف كل العمليات العسكرية داخل القطاع، وعدم حدوث أي خروقات للهدنة؟ لا سيما أن للقاهرة تجارب عدة في المبادرات خلال الآونة الأخيرة لم يكتب لها النجاح.

– ماذا لو لم تلتزم دولة الاحتلال بكل البنود المتفق عليها، أو تنفيذ مرحلة وتجاهل أخرى؟ هل يمكن اتخاذ موقف ضدها؟ ومن يمكنه اتخاذ هذا الموقف؟ مع الوضع في الاعتبار أن الهدنة السابقة شهدت خروقات كبيرة من جانب الاحتلال دون أي رد فعل من الولايات المتحدة أو قطر بصفتهما ضامنتين للهدنة.

– هل تعني مسألة تشكيل حكومة تكنوقراط استبعاد حماس من مرحلة ما بعد الحرب؟ وهل يمكن لحماس بعد كل تلك التضحيات والدعم الشعبي الفلسطيني لها، وإحيائها للقضية الفلسطينية بعد موت سريري استمر لسنوات، أن تبتعد عن المشهد بهذه الكيفية؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تختار أعضاء من حماس والمقاومة ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة في ظل ما يثار بشأن شمولية الحكومة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني؟ ثم ما مرجعية تلك الحكومة؟ هل هي المرجعية النضالية ضد الاحتلال أم الانبطاحية الأوسلوية؟

علمًا بأن الاحتلال ذاته ومعه الأمريكان يصرون منذ الوهلة الأولى على استبعاد المقاومة من أي مستقبل سياسي لغزة، حتى السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، رغم كل ما قدمته من تنازلات وقيامها بدور الشرطي الإسرائيلي في الضفة، لم تحظَ بالرضا الإسرائيلي الكامل فكيف إذًا لحماس أن تحظى بهذا الرضا وأن يكون لها دور فيما هو قادم؟

 

– تشير المبادرة إلى ضرورة وجود حوار وطني بين القوى الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام، تزامنًا مع تنفيذ بنودها، فهل المبادرة مربوطة بنجاح هذا الحوار؟ وماذا لو فشل؟ وهل تنجح القاهرة في فرض كلمتها لإنهاء الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني الذي تعمق أكثر مع تلك الحرب، في ظل الانبطاح الكبير للسلطة وغيابها عن المشهد المقاوم، فيما يواجه أهالي غزة الموت لحظة تلو الأخرى؟

– السؤال الأخير: لماذا الإصرار على أن تكون مسألة الإفراج عن الأسرى والرهائن صلب المبادرة؟ لماذا لا تكون إنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة هي الأولوية، خاصة في ظل الوضع الإنساني الكارثي؟ ثم من يحاسب الاحتلال على كل تلك الجرائم المرتكبة على مدار 80 يومًا من حرب الإبادة التي يشنها ضد فلسطينيي غزة، وأسقط خلالها أكثر من 20 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ؟

في صالح الاحتلال على حساب المقاومة

تحاول القاهرة بحكم موقعها الجغرافي ودورها الإقليمي الانخراط في الأزمة التي تتشابك بشكل كبير مع أمنها القومي، غير أن المبادرة بصيغتها تلك، بجانب حزمة من المؤشرات الخاصة بالحراك المصري منذ بداية الحرب وقبلها إزاء الوضع في غزة بصفة عامة، تثير الشكوك بشأن النوايا الحقيقية من وراء تلك المبادرات والمقترحات.

المبادرة المعلنة في ظل تلك البنود تتسق بشكل كبير مع الأجندة الإسرائيلية وأهدافها الثلاث من الحرب التي تشنها ضد غزة حاليًّا:

أولًا: القضاء على حماس.. وهو ما تسعى المبادرة لتحقيقه من خلال إبعادها عن المشهد عبر تشكيل حكومة تكنوقراط بإشراف مصري قطري أمريكي، حتى لو كان لها دور فسيكون هامشيًا ومقيدًا، هذا بخلاف الحظر المتوقع فرضه على تسليح المقاومة بصفة عامة.

ثانيًا: تحرير الأسرى والرهائن بحوزة المقاومة.. وهو لب المبادرة التي تركز عليه في مراحلها الثلاثة، بحيث تجرد حماس من ورقة الضغط الأبرز لديها، ثم تستكمل الأعمال العسكرية مرة أخرى في ظل عدم وجود ضمانات كافية، بجانب التواطؤ المتوقع من واشنطن مع الإسرائيليين.

ثالثًا: ضمان ألا يشكل القطاع منطقة تهديد لـ”إسرائيل”.. وهو ما تسعى المبادرة لتحقيقه من خلال الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها، التي ستفرض قيودًا مشددةً لضمان ألا تمثل غزة أي تهديد للداخل الإسرائيلي، بجانب السماح لقوات الاحتلال بالتموضع في بعض المناطق داخل القطاع بحجة المراقبة والطمأنة.

في المجمل، المبادرة ليست رسمية ولا نهائية، كما أن حماس ستدرسها بشكل تفصيلي مع قادتها وبقية الفصائل، ومن المتوقع أن تكون هناك جولات تفاوضية أخرى بشأن بعض البنود، لكن من المؤكد أنها بصورتها تلك ستُرفض قطعًا من المقاومة التي لن تضحي بكل ما قدمته وشعب غزة الأبي طيلة الأيام الثمانين الماضية مهما كان الثمن وأيًا كانت الضغوط.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى