غير مصنف

اشتداد الأزمات بشارة بأن الفرج قريب


ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: “عِنْدَ تَناهي الشَّدائِدِ يَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ”.

تريد للماء أن يغلي كي تستفيد من غليانه فتحتاج أن تعطيه الوقت والنار الكافيين للغليان، وحين يبلغ درجة الغليان فذلك دلالة على أن ما تريده قد بلغته.


وتريد للشجرة أن تصل إلى طور الإثمار فتحتاج أن تنتظر الوقت الملائم لذلك، فإذا استوت على سوقها، وظهرت أزاهيرها تهلَّل وجهك سروراً، وتهيّأتَ لجَني الثمار المُنتَظرة.

وترغب في إنجاب ولد فتحتاج أن تنتظر المدة الكافية لتكونه في رحم أمه وانتقاله من طور إلى طور حتى يتكامل ويصبح جاهزاً للولادة، فإذا بلغ التعب من أمه مبلغاً عظيماً وزاد ثقله عليها كان ذلك إيذاناً بالراحة بعده.

وتنتظر أن ينبلج الفجر، وعلامة قربه اشتداد سواد الليل، حتى إذا بلغ السَّواد حِلكَته انبلج ونشر الضياء.

وهكذا الأمر في كل حدَثٍ يحدث له بداية وله نهاية وما بينهما تصاعد في وتيرته ووَقْعِها في النفوس، حتى إذا بلغت حدها الأقصى بلغ الحدث النهاية، فذهب ما كنت تخشاه، وحَلَّ مكانه ما كنت ترجوه.  

كلُّ حَدَثٍ يحدث يجب أن يأخذ مَداه الطبيعي والضروري، وكل تَحَوّل يجب أن تتكامل شروطه وظروفه وأسبابه، وكل بلاء وامتحان يجب أن يُنتِج كل آثاره، وعلى المَرء ألّا يغفل عن هذه الحقائق، وأن يتعامل معها بوعي، وأن يتحلَّى بالصبر والثبات، وأن يكون رجاؤه في مستواه الأعلى، إدراكاً منه أن الشدائد مَهما اشتدت وعظمُت لا بد أن تبلغ نهاياتها في لحظة ما، إذ يستحيل أن تدوم إلى ما لا نهاية، فكل ما له بداية فله نهاية.

إن اشتداد الأزمات رغم قساوتها بشارة بأن الفرج قريب، تلك معادلة لا تُنكَر، والتجربة الإنسانية تشهد لذلك، وإن شاء قارئي الكريم أن يراجع ما عصَفَ به من أزمات كان يعتقد أنها لن تنتهي فإذا بالفرج يأتيه من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، وإن شاء سأل الناس عمَّا واجههم من أزمات جعلت الحليم منهم حيراناً فإذا بالفرج يطرق بابهم وهم يائسون.

وقد حدَّثنا الله تعالى في كتابه الكريم عن هذه المعادلة فقال: “حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا…” ﴿يوسف/ 110﴾ وما أبلغ هذه الآية الكريم في توصيف مَبلغ الشِّدَّة والكَرب والضِّيق الذي كان يحدُث مع رُسُلِ الله، يدعون الناس إلى الله، بل يدعونهم إلى ما في خيرهم ونفعهم، والناس يواجهونهم بالتكذيب والسُّخرية والاستهزاء، ويزدادون طغياناً وعُتُواً وإنكاراً، ويتمادون في غِيِّهم وضلالهم، ويصدّون الناس عن سبيلهم، والرُّسُل ومن معهم قليل، قليلو العدد والعُدَّة، فهل بعد هذا الحرج من حرج؟ وهل بعد هذا الضيق من ضيق؟ فيستحكم الكرب، ويأخذ الضيق مداه، في هذه اللحظة الأشد حَرجاً والأشد ضيقاً يأتيهم نصر الله حاسماً فاصلاً.

تلك هي سُنَّة الله في الصِّراع بين الحق والباطل، وبين الهُدى والضَّلال، وبين المستضعفين والمستكبرين، لا بُدَّ من الشدائد، ولا بُدَّ من المَصاعب حتى ينفرز الناس، ويقوى عود أهل الحق، وتظهر كوامن أهل الباطل، ويكتشف المستضعفون ما لديهم من قابليات، ثم يجيء النصر والفرج، يجيء من عند الله الذي يملك الأسباب كلها، فالنصر لا يمكن أن يأتي بالأماني، ولا يمكن أن يأتي رخيصاً من دون أثمان، ولا يمكن أن يأتي من دون مَشَقّات ومَصاعب، وما قيمته إن كان يأتي بسهولة وأمنية؟!   

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:



Source link

زر الذهاب إلى الأعلى