غير مصنف

التأنّي سِمَة من سِمات الشخص العاقل


ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “فِي التَّأَنّي اسْتِظْهـارٌ، فِــي الْعَجَـلِ عِثـارٌ”.

والأناة ثم الأناة قارئي الكريم، فبها تستعين على قضاء حوائجك، ونيل مرادك، وبلوغ مآربك، وفيها الخير الكثير، بل فيها كل الخير، إن الأناة أو التأني لا تكون إلا من شخص عاقل حكيم لا يعبث فيما يكون منه، حاضر الفكر، يتدبر في العواقب قبل أن يهم بأفعاله ومواقفه، ماهر في التعامل مع الأمور، لا يتسرَّع فيندم، ولا يماطل فيندم أيضاً، يفعل كل شيء في وقته الملائم، وبالقدر الملائم، والكيفية الملائمة.

اعتيادك التأنّي يجعلك أكثر عقلانية وحكمة، وأكثر دقة وإتقاناً في عملك، ويمنحك الفرصة للتفكير العميق والتخطيط الدقيق، ويساعدك على اتخاذ قراراتك بدقة ووضوح، ويجعلك أكثر وعياً وفهماً وتقديراً للمواقف التي تواجهها، ويُعزِّز قدرتك على التحكم في انفعالاتك، وضبط مشاعرك وردود أفعالك، ووزْنها بميزان دقيقٍ على مَهَلٍ وتبصُّر، وتقدير ما يترتَّب على عملك من أثّرٍ عن رويّة وتدبُّرٍ، كيلا تقع في مآزِقَ مُحرجة قد لا تستطيع الخروج منها إلا بأثمان عالية.

ويساهم التَّأنّي مساهمة فعّالة في تَحسين علاقاتك الاجتماعية، وتعزيز التواصل الجيد مع الآخرين، ويُجنّبك الوقوع في الأخطاء، وينمي فضيلة الصبر والروِيَّة لديك، كما يُنَمّي قدرتك على الالتزام بالمواعيد والعهود والمواثيق، ويجعل منك شخصاً جديراً بتحمُّل المسؤولية، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: رسول اللّه صلى الله عليه و آله : “إذا أرَدتَ أمرا فَعَلَيكَ بِالتُّؤَدَةِ ، حَتّى يُرِيَكَ اللّهُ مِنهُ المَخرَجَ ، أو حَتّى يَجعَلَ اللّهُ لَكَ مَخرَجاً”.   

 

 الأناة والتأنّي لا ينفكّان عن التَّأمُّل والتفكير، وهما أساس تطوّرك وتقدّمك على مختلف الأصعدة، وهما يمتازان بالتَّثَبُّت والتَّمهُّل، والمبالغة في الرِّفق في الأمور والتسبُّبِ إليها، وتوفير أسباب نجاحها، وأدائها بإتقانٍ ومعرفة، رُوِيَ عن رسول اللّه (ص) أنه قال: “مَن تَأَنّى أصابَ أو كادَ، ومَن عَجِلَ أخطَأَ أو كادَ” .
والتأنّي أمر وسط بين التَّسرّع من جهة وبين الكَسَل والتراخي والخمول من جهة أخرى، وهو أمر ينبغي تقديره بناء على الحال الذي أنت عليه، والظروف الراهنة التي تمُرّ بها، والموقف الذي تريد أن تتخذه وتتعامل به، فلا يراد من التأني التباطؤ الذي يؤدي إلى ضياع الفرصة، أو انتهاء الوقت الملائم للموقف، ولا يعني التسويف والإهمال الذي يؤدي إلى إعدام الطموح والهِمَّة العالية، وإعدام إبداعك وخلّاقيتك، ورضاك بالقصور والتقصير، فالتأني يعني أن تأخذ وقتك الكافي في البحث والنظر والتفكير، والفَهم العميق للأمور، وقد تحتاج معه إلى استشارة من يجب أن تستشيره من أهل الخبرة والتجربة والاختصاص.
والتأنّي فضيلة سامية، وسِمَة من سِمات الشخص العاقل، وصِفة يُعرَف بها المؤمن، بل هو صفة من صفات أفعال الله العليم الحكيم، فرغم أنه تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كُنْ فيكون، إلا أن حكمته اقتضت أن يخلق العالم في سِتَّة مراحل، وفي هذا تعليم للخلق أن يتأنَّوا في أفعالهم فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “إنَّ اللّهَ جَلَّ ذِكرُهُ أنزَلَ عَزائِمَ الشَّرائِعِ، وآياتِ الفَرائِضِ، في أوقاتٍ مُختَلِفَةٍ، كَما خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أيّام، ولَو شاءَ أن يَخلُقَها في أقَلَّ مِن لَمحِ البَصَرِ لَخَلَقَ، ولكِنَّهُ جَعَلَ الأَناةَ وَالمُداراةَ مِثالاً لِأُمَنائِهِ، وإيجاباً لِلحُجَّةِ عَلى خَلقِهِ”.

كما إنه تعالى لا يعجَل في عقاب الخاطئين والمذنبين والمفسدين، بل يمهلهم عسى أن يعودوا إلى رُشدهم، ويفيئوا إلى صلاحهم. 

 

وإيَّاك والعَجَلة فإنها توقعك في العَثرات والمَزالق والمَهالك، والشخص العَجول هو الذي لا يعطي لنفسه الوقت الكافي للتكفير في الأمر الذي يزمع فعله، ولا يتدبَّر في عواقبه ونتائجه، مما يؤدي به إلى الوقوع في الأخطاء وقد تكون فادحة، فلا يبقى له إلا النَّدم والحسرة.
 

والعَجَلة ضدّ التَّأنّي وهي: طلَبُ الشيء أو فعله قبل أوانه ووقته الملائم، مثل أن يعجل الشخص إلى قطف الثمرة قبل نضوجها، فإنه يخسرها ولا يستفيد منها في شيء، أو يريد أن يحصل على الشيء في لمح البصر، أو يغيِّر الواقع في أقل من طرفة عَين، أو أن يتحقق له كل شيء بمجرد أن يخطر في باله، أو يمد بصره إلى ما وراء اللحظة الراهنة ليتناوله بيده، وهي من مقتضيات الشهوة، وهي رذيلة وصفة سلبية مقيتة ومذمومة عقلاً، ولذلك نهى الدين القويم عنها لما يترتب عليها من آثار وخيمة وعواقب قاتلة، وفتح أبواب الشَّرِّ على الإنسان.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

 

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى